کد مطلب:195859 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:276

الجراثیم ومجمل تاریخها
الجراثیم (المیكروبات) جمع جرثومة (میكروب). ومعنی میكروب (الحی الدقیق) وقد وضع هذا الاسم لهذا الحی الدقیق رجل یدعی (سیدلوث) سنة 1878م. أما العلم الذی یبحث عنها وعن أنواعها وآثارها فیسمی: (البكتریولوجیا) وهو لفظ یونانی مأخوذ من تركیب لفظة (بكتریا) بمعنی العصی جمع عصا، وذلك لأن شكل الكثیر منها مستقیم كالعصا. ولفظة (لوجیا) بمعنی العلم، أما المؤسس لهذا العلم فهو الاستاذ (لویس باستور) الأفرنسی المتولد 1822 م والمتوفی سنة 1895 م وان أشهر من نبغ فیه بعده هو الاستاذ الدكتور (روبرت كوخ) الألمانی مكتشف میكروب التدرن الرئوی فی السل والمتولد سنة 1843 م والمتوفی سنة 1910 م.

وغیر خفی أن الذی هدی الناس إلی معرفة هذه الأحیاء الدقیقة (غیر المرئیة بالعین المجردة) هو المجهر (المیكروسكوب) الذی اخترع فی سنة 1590 م قبل تأسیس هذا العلم بمدة طویلة.

وللجراثیم أشكال ثلاثة:

1ـ الشكل الباسللی أی المستطیل.

2ـ البروز وهی التی تری كنقط صغار قد یلتقی بعضها ببعض فتتكون منها خیوط تسمی (البروزالسلسلیة) وقد تجتمع مثنی وثلاث ورباع وقد تتكون



[ صفحه 35]



باجتماعها علی شكل الكلیة، أو علی شكل عنقود فتسمی الكللیه (بتشدید الیاء) أو العنقودیة إلی غیر ذلك.

3ـ الشكل الحلزونی وهو جراثیم مستطیلة ملتویة علی نفسها كالثعبان أو كحركة الضمة (و) أو الشولة (،) ولذلك تسمی أحیاناً (الباسیل الضمی) وقد یكون لقسم منها أهداب فی أطرافه.

وهذه الجراثیم تنمو وتتوالد باحدی طریقتین:

1ـ أما بانقسامها عرضاً إلی قسمین وكل قسم منهما إلی قسمین أیضاً وهلم جرا.

2ـ وأما بتولد حبیبة فی داخل الجرثومة تنفلق عنها، ثم تنمو هذه الحبیبة فتكون جرثومة وهكذا بكل سرعة.

ویحدث ضررها بنموها فی السائل الذی یتربی فیه وبافرازها فیه مواد تفتك فی البدن فتكا ذریعاً مهما كانت قلیلة أو ضعیفة.

أما طریق العدوی بها وبعبارة أوضح طریق دخول الجراثیم إلی الجسم فلذلك أبواب كثیرة أهمها أربعة وهی:

1ـ الرئتان. 2ـ الجهازالهضمی. 3ـ الجلد. 4ـ الأغشیة المخاطیة كأعضاء التناسل والعین مثلاً ولا یلزم أن یكون سطح الجسم أو الأغشیة المخاطیة مجروحة لكی یدخل ذلك المكروب من الجرح، بل قد یدخل من الأماكن ذات النسیج الرقیق من الجلد أو من مسامها ولكن الجرح یسهل الدخول.

أما مصادر خروج المیكروب أی ألأشیاء التی تحمل الجراثیم وتتصل بالبدن ثم تنقلها الیه فهی:

1ـ الهواء. 2ـ الطعام. 3ـ الشراب. 4ـ التراب. 5ـ مایلامس جلد المصاب من الاجسام الخارجیة كالملابس والأوانی وأمثالها.

ولقائل أن یقول: كیف توجد العدوی ونری بالحس والوجدان أن لیس كل إنسان اتصل به میكروب مرض معدی أصیب به، بل كم من متعرض له



[ صفحه 36]



ینجو وكم من متوق محتاط یصاب بأسرع من غیره. إذاً فما معنی العدوی؟ وهل تلك الاصابة إلا صدفة كما إتفقت للمریض الأول؟

فنقول: لا لوم علیك إذا ما تصورت ذلك فانكرت العدوی لأن الظاهر كما زعمت، ولكن قد غاب عنك أن الأطباء والعلماء قد اتفقوا بلا خلاف علی أن أثر العدوی بالجراثیم المرضیة وسرایتها فی السلیم متوقفة علی شروط إذا لم تحصل فان العدوی لم یكن لها أثر البتة وهی:

1ـ القابلیة ومعناها أن یوجد فی المیكروبات ما یحصل به نماؤها مثل ضعف الكریات البیض فی دم السلیم التی هی بمنزلة الجنود المدافعة عن البدن والمكلفة باقتناص ما یرد إلیه من الجراثیم المرضیة الفتاكة وردعها عنه بكل قواها، فاذا ضعفت هذه الكریات فی الدم أصبح البدن مستعداً إلی قبول الجراثیل قابلاً لفتكها غیر مدافع عن ضررها.

2ـ الفاعلیة ومعناها أن تحصل تلك الجرثومة فی بیئة أو وسط ملائمین لنموها ومساعدین لها علی مكثها وتفریخها.

3ـ حصول الوقت الكافی لتأثیرها فی البدن.

فاذا حصلت هذه الشروط الثلاثة وحصل الناقل لها كالهواء أو الطعام أو الشراب أو غیرها حصلت العدوی وإلا فلا عدوی.

ثم أن هناك أمراً آخر لابد من ملاحظته وذلك أن للأمراض المعدیة أدواراً ثلاثة: 1ـ دور الابتداء. 2ـ دور التوقف. 3ـ دور الانحطاط.

وهی أی الأمراض منها ما یعدی فی كل أدواره ومنها ما یعدی فی دور الابتداء فقط ومنها ما یعدی فی دور الانحطاط. إذاً فلا تحصل العدوی دائماً.

ویتلخص من هذه المقدمة أن المرض المعدی لاتحصل منه العدوی إلا إذا كان فی دوره المعدی مع حصول القابلیة والفاعلیة من المكروب نفسه مع حصول الوقت الكافی لنموه ومع مساعدة البیئة أو الوسط مع ضعف المناعة فی بدن السلیم



[ صفحه 37]



(أی ضعف الكریات البیض) أما بغیر ذلك فلا عدوی.

قال ابن سینا: لیس كل سبب یصل إلی البدن یفعل فیه، بل قد یحتاج مع ذلك إلی أمور ثلاثة: 1ـ إلی قوة من قوته الفاعلة. 2ـ وقوة من قوة البدن الاستعدادیة. 3ـ وتمكن من ملاقات أحدهما للآخر بزمان فی مثله یصدر ذلك الفعل منه، وقد تخلتف أحوال الأسباب عند موجباتها، ربما كان السبب واحداً واقتضی فی أبدان شتی أمراض شتی، أو فی أوقات شتی، وقد یختلف فعله فی الضعیف والقوی وفی شدید الحس وضعیفه.

وهنا كان من المناسب أیضأ أن تعلم بأن للأمراض المعدیة أسباباً مهیئة أخری وهی قسمان ـ مادیة ـ ومعنویة ـ وبعبارة أوضح، ظاهرة وكامنة.

أما الظاهرة (المادیة) فهی مثل فساد الهواء وفساد الماء والأبخرة الردیئة المتعفنة والأماكن الرطبة وكثیرة السكان وقلیلة النور وشدة الحرارة والبرودة وفساد الطعام والمستنقعات والحروب وشرب الخمور وارتكاب المعاصی إلی غیر ذلك من الأمور التی تجعل الجسم مستعداً لقبول العدوی.

وأما الكامنة (المعنویة) فمثل الوراثة، والسن والجنس، والمزاج الضعیف والجوع والتعب المفرطین، وقد یكون منها الغضب والوهم والهم والغم والحزن والرعب والخوف والعشق وغیرها.

فان الاحداث والاسباب النفسیة كثیراً ما تؤثر فی حدوث الامراض أو تطورها وبالأخیر إنهاك القوی التی یجعل الجسم عرضة لكل عدوی.

قال جالینوس: الغضب یلهب الأمزجة الصفراویة والحارة فیهیء الجسم للحمیات الحادة كالحمی العفنیة اللازمة، والغم والحزن یفسدان الدم فیكونان علة للحمی التیفوئیدیة، والفزع والرعب یحدثان أحیانا رقة الدم وفقد الكریات الدمویة فیكونان سبباً للتیفوس وأشباهها (إنتهی مضمون كلامه).

وهذه نبذة وجیزة عن المیكروبات ذكرناها لیتضح لك جیداً ویبدو لك جلیاً



[ صفحه 38]



معنی قول الامام «ع»: لا یكلم الرجل مجذوماً إلا وأن یكون بینهما قدر ذراع وبلفظ آخر قدر رمح.

فتأمل جیداً فی قوله هذا كیف أشار بكلماته القصار إلی خلاصة ما إكتشفه علم القرن العشرین بعد التاسع عشر من الأسرار العجیبة التی إفتخر بها كأنه جاء بشیء جدید فی حین أن الامام الصادق «ع» قد أبان عنه قبل 14 قرناً بكل وضوح.